قانون الاستثمار العربي: هل أموالك كسعودى آمنة في بلد عربي مش بلدك زى مصر؟

عام

في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية المتسارعة في العالم العربي، بات من الضروري التساؤل: هل الاستثمار داخل دولة عربية غير دولتك يمثل خطوة آمنة ؟ ومع تصاعد حجم الاستثمارات السعودية في مصر، يتحول هذا التساؤل إلى موضوع حيوي يمس الأمن الاقتصادي والسياسي للمنطقة

أرقام تتحدث: حجم الاستثمارات السعودية في مصر

بحسب تقارير الهيئة العامة للاستثمار في مصر، بلغت الاستثمارات السعودية في مصر ما يزيد على 6.3 مليار دولار موزعة على أكثر من 6,000 شركة في قطاعات متنوعة أبرزها الزراعة ، والصناعة ، والسياحة ، والبنوك ، والتمويل, هذا الحجم من الاستثمار يعكس ثقة المملكة في السوق المصري ، ويؤكد أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين ليست حديثة العهد ، بل ممتدة منذ عقود

مصر والسعوديه من الماضي إلى الحاضر: شراكة طويلة

منذ سبعينيات القرن الماضي، والسعودية ومصر تتعاونان في مجالات اقتصادية متفرعة, بدأت العلاقة من خلال صناديق تمويلية مشتركة ، كمساهمة السعودية في “صندوق الإنماء المصري” ، ثم تطورت إلى مشروعات كبرى مثل مشروع “الضبعة النووي” الذي ساهمت شركات سعودية في دعم بنيته التحتية , ماليا

أما حديثًا، فشهدنا تدفقًا واسعًا للاستثمارات السعوديه في العاصمة الإدارية الجديدة ، ومشاريع سياحية في البحر الأحمر، وكذلك شراء حصص في شركات مصرية إستراتيجية كبنك القاهرة وشركات الأسمدة والبتروكيماويات ، وشراكات كبرى في مجال إنتاج الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر

ليه اختارت السعوديه مصر؟ لدوافع الأمن القومى للبلدين

اولا/ اختيارالسعودية لمصر كمحطة استثمارية مفضلة له أبعاد تتجاوز الربح المالي , أولًا، من الناحية الأمنية ، تشكل مصر العمق الاستراتيجي للمملكة, استقرار مصر يعني استقرار الشرق الأوسط ، وتحديدًا البحر الأحمرالذي يمثل شريانًا حيويًا للمملكة وموانئها في جدة وينبع

ثانيًا/ السوق المصري هو الأكبر عربيًا من حيث عدد السكان (أكثر من 105 ملايين نسمة)، مما يجعل أي منتج أو خدمة فرصة لتحقيق أرباح ضخمة دون الحاجة لاختراق أسواق بعيدة

ثالثًا/ البنية التشريعية المصرية في السنوات الأخيرة ، خصوصًا تعديلات قانون الاستثمار لعام 2017، منحت مزايا كبيرة للمستثمرين العرب: إعفاءات ضريبية، وسهولة تحويل الأرباح ، وضمانات ضد التأميم ، وهو ما يتماشى أيضًا مع قانون تشجيع وضمان الاستثمار بين الدول العربية الذي وُقّع عليه في إطار جامعة الدول العربية

الخبرة المصرية: جوهر الاستثمار السعودي

رغم أن الاستثمارات السعودية تبدو مدفوعة بعوامل السوق والبنية التحتية الجاذبة ، إلا أن الخبرة البشرية المصرية تمثل أحد أهم الأسباب الخفية والمباشرة في نفس الوقت خلف هذا التوسع الكبير

في القطاع العسكري

تتمتع مصر بتاريخ طويل من العمل العسكري والمناورات الميدانية , لذلك ، تبحث السعودية في شراكتها العسكرية مع مصر عن نقل الخبرة القتالية والتنظيمية والتدريبيه ، سواء من خلال مناورات مثل “رعد الشمال” و”درع العرب” أو من خلال التعاون في التصنيع العسكري والتدريب المشترك

في القطاع الصحي

الكوادر الطبية المصرية ما زالت تمثل العمود الفقري للعديد من المستشفيات السعودية ، ووجودهم لا يقتصر على العمل فقط ، بل يتعداه إلى تدريب الطواقم السعودية والمشاركة في تطوير النظم الصحية, لذلك تسعى المملكة إلى الاستثمار في البنية الصحية بمصر كوسيلة لتأمين خط إمداد مستمر من الكفاءات الطبية

في التعليم

منذ نشأة النظام التعليمي الحديث في المملكة ، كانت العقول المصرية حاضرة بقوة ، بدءًا من المعلمين وحتى واضعي المناهج , واليوم ، تستثمر السعودية في التعليم المصري لأنها تدرك أن الكوادر المصرية قادرة على إنتاج أجيال عربية مؤهلة ، وتوفير سوق جاهز للابتعاث والتدريب والعمل

في الزراعة

الخبرة الزراعية المصرية ممتدة عبر التاريخ ,المشاريع الزراعية السعودية في مصر تعتمد على معرفة المصريين المتراكمة في إدارة الري ، والتربة ، والتسميد ، وإدارة المحاصيل. لذلك نجد أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات الزراعية السعودية في مصر يتم عبر شراكات فنية وإدارية مع جهات مصرية

في الصناعة والبناء والهندسة

الشركات السعودية الكبرى عندما تدخل السوق المصري فهي تبحث عن عقول هندسية مدرّبة ونادرة,من تنفيذ مشاريع ضخمة في البنية التحتيه ، إلى إدارة المصانع ، يعتمد السعوديون على الخبرة المصرية لضمان الكفاءة وضبط التكاليف

في قطاع التشييد والبناء

الهندسة المدنية والمعمارية المصرية باتت عنصر جذب استثماري , فالسعودية تعلم أن المصريين بارعون في تنفيذ المشاريع في وقت قياسي، ولهذا نجدها تفضّل الشراكة مع شركات مقاولات مصرية في مشاريع الإسكان والطرق والمناطق الصناعية

مشروعات سعودية تخدم المواطنين السعوديين داخل مصر

واحدة من الزوايا الهامة التي لا يتم التركيز عليها كثيرًا هي المشروعات السعودية التي تُنفذ خصيصًا لخدمة المواطنين السعوديين في مصر، سواء بغرض الإقامة أو الدراسة أو السياحة أو العلاج

1- مشروعات سياحية للسعوديين

العديد من القرى السياحية والفنادق التي أقامتها شركات سعودية في الغردقة والعين السخنة تم تصميمها لتناسب الذوق السعودي من حيث الخصوصية ومستوى الخدمة ، بهدف استقطاب الزوار السعوديين الذين يفضلون قضاء عطلاتهم في مصر

2- وحدات سكنية للمواطنين السعوديين

مشروعات إسكانية راقية في القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية توفر وحدات بتسهيلات حصرية للسعوديين الراغبين في الإقامة المؤقتة أو الدائمة بمصر، مع خدمات إدارية تناسب متطلبات المواطن الخليجي

3- مدارس وجامعات وفق النظام السعودي

بعض المدارس الدولية الخاصة في مصر تم تأسيسها بدعم سعودي، وتقدم مناهج تعليمية مناسبة للطلبة السعوديين. بالإضافة إلى وجود منح جامعية وتسهيلات خاصة للطلبة السعوديين في الجامعات المصرية الخاصة والدولية

4- مراكز طبية ومستشفيات بخدمة سعودية

بعض المراكز الطبية والمستشفيات في القاهرة تم إنشاؤها بتمويل سعودي، وتُدار بمعايير طبية عالية وتستهدف خدمة المواطنين السعوديين، مع وجود أطباء سعوديين ومصريين، وتنسيق مباشر مع شركات التأمين في المملكة

5- خدمات لوجستية للمستثمرين السعوديين

توجد أيضًا شركات سعودية داخل مصر متخصصة في تقديم خدمات لوجستية للمستثمرين والمواطنين السعوديين، مثل إدارة العقارات، وخدمات الإقامة القانونية ، والتسهيلات البنكية

اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وصحية وتعليمية ,تدعم هذه الاستثمارات شبكة من الاتفاقيات الرسمية , اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار (1990) , اتفاقية منع الازدواج الضريبي , اتفاقيات تعاون عسكري وتدريب مشترك , مذكرات تفاهم صحية وتعليمية , شراكات زراعية وصناعية وهندسية متنوعة

الاستثمار السعودي: شراكة استراتيجية لا تجارية فقط

الاستثمار السعودي في مصر ليس صفقة تجارية بل مشروع استراتيجي يجمع بين , الاستفادة من الخبرة البشرية المصرية , حيث تأمين عمق استراتيجي سياسي وعسكري , تحقيق أرباح من سوق ضخم وسريع النمو , بناء استقرار إقليمي يخدم مصالح الطرفين

نهايه القول

من منظور قانوني واستراتيجي، يمكن القول إن الاستثمار السعودي في مصر محمي ومحفّز ومطلوب. لكن الأكثر أهمية هو أن هذا الاستثمار محمول على أكتاف العقول المصرية ، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من نهضة الخليج ومشروعاته الكبرى، بينما تتوسع المشروعات الموجهة للمواطن السعودي داخل مصر، لتجعل العلاقة الاقتصادية أكثر خصوصية وإنسانية.

أضف تعليق